أهمية الانتخابات التشريعية الأمريكية- ما وراء الرئاسة
المؤلف: صدقة يحيى فاضل11.17.2025

مع اقتراب كل دورة انتخابية "رئاسية" في الولايات المتحدة، والتي تتكرر كل أربع سنوات كما هو معلوم، يتجلى اهتمام بالغ بهذا الحدث الاستثنائي. يشمل هذا الاهتمام كافة أصقاع المعمورة، ويطال مختلف فئات البشر. والحقيقة، أن هذا الاهتمام له ما يبرره من دوافع وأسباب جوهرية. فالولايات المتحدة، لا سيما في هذه الحقبة الراهنة، تمثل القوة العظمى المهيمنة، والركيزة الأساسية في عالمنا المعاصر. إنها الدولة التي تمتلك تأثيراً عميقاً في مسارات الأحداث السياسية الدولية، وتوجه دفة التطورات في مختلف أنحاء هذا العالم الفسيح. وتلك الأحداث والمستجدات هي الوقائع الأشد أهمية، إذ أنها تنعكس بصورة مباشرة على شتى جوانب الحياة بالنسبة لأغلب المعنيين. ويثير الاستغراب حقاً، عدم وجود اهتمام مماثل بحدث آخر ملازم للانتخابات الرئاسية، ألا وهو الانتخابات التشريعية (الكونجرس)، والتي تستحق، من وجهة نظرنا، نفس القدر من الاهتمام والترقب. وقد تعودت على تدوين مقال مقتضب حول هذا الحدث قبل أيام قليلة من وقوعه.
من المسلم به أن الحكومة، أي حكومة في العالم، هي السلطة العليا النافذة في البلاد، وتمتد صلاحياتها عبر فروعها الثلاثة: التشريع والتنفيذ والقضاء. بمعنى آخر، السلطة الحكومية هي في حقيقة الأمر عبارة عن ثلاث سلطات متميزة، وليست سلطة واحدة موحدة. وفي الأنظمة الديمقراطية، تتسم هذه السلطات بقدر أكبر من الاستقلالية والوضوح والفصل بينها، مقارنة بالحكومات غير الديمقراطية. والجدير بالملاحظة، أن هذه المعلومة الهامة غالباً ما تغيب عن الأذهان، حتى في الأوساط المتعلمة والمثقفة في معظم أرجاء العالم العربي.
من المعلوم أيضاً أن رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية يمثل سلطة واحدة فقط من سلطات الحكومة الأمريكية، ألا وهي السلطة التنفيذية. فالرئيس يتمتع بصلاحيات التنفيذ الكاملة خلال فترة ولايته. وفي النظام الديمقراطي/ الرئاسي، الذي تتبعه الولايات المتحدة حالياً، لا يمتلك رئيس الجمهورية سلطات تشريعية أو قضائية ذات شأن، فهو "منفذ" بالدرجة الأولى.
صحيح أن رئيس الجمهورية الأمريكية يضع السياسة العامة للدولة خلال فترة حكمه، بيد أن هذا الرئيس لا يستطيع إنجاز أي أمر ذي أهمية ما لم تحظَ بموافقة الأغلبية في السلطة التشريعية، المتمثلة في الكونجرس الأمريكي بمجلسيه. ولهذا السبب، تعتبر السلطة التشريعية (البرلمان) الأهم بين السلطات في الحكومات الديمقراطية على وجه الخصوص. ومن المعروف أن السلطة التشريعية تخضع للكثير من القيود والضوابط من قبل السلطتين الأخريين (التنفيذية والقضائية)، مما يجعل جميع السلطات، في كثير من الأحيان، متساوية من حيث القوة والنفوذ والصلاحية. ومع ذلك، غالباً ما تميل الكفة لصالح السلطة التشريعية في جميع أنواع الحكومات الديمقراطية، وتتفوق على السلطتين الأخريين.
هذه الحقيقة الجلية تعني أن من يحكم الولايات المتحدة فعلياً (خلال فترة زمنية محددة، ووفقاً للدستور الأمريكي) هم الجهات التالية:
- السلطة التشريعية، وتتألف من مجلسين:
مجلس الشيوخ: ويتكون من 100 عضو.
مجلس النواب: ويتألف من 435 نائباً.
- السلطة القضائية: وتتجسد في المحكمة العليا، التي تضم 9 قضاة.
- السلطة التنفيذية: وتتمثل في رئيس الجمهورية ونائبه.
بالإضافة إلى 13 وزيراً، و40 مديراً عاماً لوكالة فيدرالية مستقلة.
وعندما نستثني الوزراء والمديرين العموميين للهيئات المستقلة، ونقوم بجمع عدد "حكام" أمريكا، نجد أن هذا العدد يبلغ 546 حاكماً - إن صح التعبير. صحيح أن رئيس الجمهورية (رئيس الحكومة) هو الأهم والأشهر بين هؤلاء الحكام، وأن صلاحياته هي الأكبر والأوسع نطاقاً، إذ أنه يملك، كما ذكرنا، صلاحيات التنفيذ الكاملة، ويسهم إسهاماً فعالاً في رسم السياسة العامة (الداخلية والخارجية) للبلاد، إلا أن هذا الرئيس ليس المسؤول الوحيد، ولا يتمتع بصلاحيات تشريعية أو قضائية تذكر.
ومع ذلك، يولي الناس اهتماماً بالغاً بالرئيس الأمريكي وبمنصبه وانتخابه، يفوق غيره؛ لأن الرئيس هو واجهة النظام السياسي الأمريكي، وعامة الناس لا ترى سواه حاكماً لأمريكا! ولهذا، نشهد هذا الاهتمام المتزايد بالرئيس، دون اهتمام مماثل بالانتخابات التشريعية والنتائج المترتبة عليها.
إن حالة عدم اكتراث الناس، بشكل ملحوظ، بانتخابات السلطة التشريعية تثير استغراباً لدى العديد من علماء السياسة الأمريكيين وغيرهم. بيد أن هذه الدهشة سرعان ما تتلاشى، إذا أخذ المرء في الاعتبار الأسباب التي ذكرناها، والتي تجعل الرئيس الأمريكي، في نظر العامة، صاحب السلطة الأقوى، أو "أقوى رجل في العالم"، وهو أمر لا يمكن أن يكون صحيحاً إلا إذا قلنا: الرئيس ومعه السلطتان الأخريان.
وبمناسبة انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2024م، المقرر عقدها يوم الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر المقبل، نشير إلى أن هذا اليوم سيشهد أيضاً انتخاب كامل أعضاء مجلس النواب (435 نائباً) وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (34 شيخاً)، بالإضافة إلى انتخاب الرئيس ونائبه (هذا إذا استبعدنا انتخابات الحكومات المحلية والولائية). وكالعادة، سيحظى انتخاب الرئيس بمعظم الأضواء والاهتمام. وسيتكرر هذا المشهد، ولن تولي غالبية الناس اهتماماً كبيراً بانتخابات النواب والشيوخ وغيرهم.
وكما هو معلوم، ستكون مرشحة الحزب الديمقراطي هي السيدة "كاميلا هاريس"، وهي ثاني امرأة أمريكية تصل إلى هذا المستوى الرفيع، بعد "هيلاري كلينتون". وقد تصبح أول امرأة تتولى منصب رئاسة أمريكا إذا فازت على منافسها الرئيسي "دونالد ترمب"، مرشح الحزب الجمهوري في هذه الانتخابات. إن نتيجة هذه الانتخابات الرئاسية الأولية تؤكد انفراد الحزبين السياسيين الأمريكيين الكبيرين بمقاليد السياسة الأمريكية، كما أن "طريقة" ترشيح كل من المرشحين تدعم "احتكار" قلة الصفوة في كلا الحزبين للسلطة والترشيح للمناصب الكبرى. وكل ذلك يشكل شرخاً لا يستهان به في الديمقراطية الأمريكية الحالية، غير أن هذا الشرخ لا يلغي ديمقراطية النظام الأمريكي طالما كان يعكس بالفعل تفضيلات الناخبين الأمريكيين. وسوف نعود إلى هذا الموضوع لاحقاً.
من المسلم به أن الحكومة، أي حكومة في العالم، هي السلطة العليا النافذة في البلاد، وتمتد صلاحياتها عبر فروعها الثلاثة: التشريع والتنفيذ والقضاء. بمعنى آخر، السلطة الحكومية هي في حقيقة الأمر عبارة عن ثلاث سلطات متميزة، وليست سلطة واحدة موحدة. وفي الأنظمة الديمقراطية، تتسم هذه السلطات بقدر أكبر من الاستقلالية والوضوح والفصل بينها، مقارنة بالحكومات غير الديمقراطية. والجدير بالملاحظة، أن هذه المعلومة الهامة غالباً ما تغيب عن الأذهان، حتى في الأوساط المتعلمة والمثقفة في معظم أرجاء العالم العربي.
من المعلوم أيضاً أن رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية يمثل سلطة واحدة فقط من سلطات الحكومة الأمريكية، ألا وهي السلطة التنفيذية. فالرئيس يتمتع بصلاحيات التنفيذ الكاملة خلال فترة ولايته. وفي النظام الديمقراطي/ الرئاسي، الذي تتبعه الولايات المتحدة حالياً، لا يمتلك رئيس الجمهورية سلطات تشريعية أو قضائية ذات شأن، فهو "منفذ" بالدرجة الأولى.
صحيح أن رئيس الجمهورية الأمريكية يضع السياسة العامة للدولة خلال فترة حكمه، بيد أن هذا الرئيس لا يستطيع إنجاز أي أمر ذي أهمية ما لم تحظَ بموافقة الأغلبية في السلطة التشريعية، المتمثلة في الكونجرس الأمريكي بمجلسيه. ولهذا السبب، تعتبر السلطة التشريعية (البرلمان) الأهم بين السلطات في الحكومات الديمقراطية على وجه الخصوص. ومن المعروف أن السلطة التشريعية تخضع للكثير من القيود والضوابط من قبل السلطتين الأخريين (التنفيذية والقضائية)، مما يجعل جميع السلطات، في كثير من الأحيان، متساوية من حيث القوة والنفوذ والصلاحية. ومع ذلك، غالباً ما تميل الكفة لصالح السلطة التشريعية في جميع أنواع الحكومات الديمقراطية، وتتفوق على السلطتين الأخريين.
هذه الحقيقة الجلية تعني أن من يحكم الولايات المتحدة فعلياً (خلال فترة زمنية محددة، ووفقاً للدستور الأمريكي) هم الجهات التالية:
- السلطة التشريعية، وتتألف من مجلسين:
مجلس الشيوخ: ويتكون من 100 عضو.
مجلس النواب: ويتألف من 435 نائباً.
- السلطة القضائية: وتتجسد في المحكمة العليا، التي تضم 9 قضاة.
- السلطة التنفيذية: وتتمثل في رئيس الجمهورية ونائبه.
بالإضافة إلى 13 وزيراً، و40 مديراً عاماً لوكالة فيدرالية مستقلة.
وعندما نستثني الوزراء والمديرين العموميين للهيئات المستقلة، ونقوم بجمع عدد "حكام" أمريكا، نجد أن هذا العدد يبلغ 546 حاكماً - إن صح التعبير. صحيح أن رئيس الجمهورية (رئيس الحكومة) هو الأهم والأشهر بين هؤلاء الحكام، وأن صلاحياته هي الأكبر والأوسع نطاقاً، إذ أنه يملك، كما ذكرنا، صلاحيات التنفيذ الكاملة، ويسهم إسهاماً فعالاً في رسم السياسة العامة (الداخلية والخارجية) للبلاد، إلا أن هذا الرئيس ليس المسؤول الوحيد، ولا يتمتع بصلاحيات تشريعية أو قضائية تذكر.
ومع ذلك، يولي الناس اهتماماً بالغاً بالرئيس الأمريكي وبمنصبه وانتخابه، يفوق غيره؛ لأن الرئيس هو واجهة النظام السياسي الأمريكي، وعامة الناس لا ترى سواه حاكماً لأمريكا! ولهذا، نشهد هذا الاهتمام المتزايد بالرئيس، دون اهتمام مماثل بالانتخابات التشريعية والنتائج المترتبة عليها.
إن حالة عدم اكتراث الناس، بشكل ملحوظ، بانتخابات السلطة التشريعية تثير استغراباً لدى العديد من علماء السياسة الأمريكيين وغيرهم. بيد أن هذه الدهشة سرعان ما تتلاشى، إذا أخذ المرء في الاعتبار الأسباب التي ذكرناها، والتي تجعل الرئيس الأمريكي، في نظر العامة، صاحب السلطة الأقوى، أو "أقوى رجل في العالم"، وهو أمر لا يمكن أن يكون صحيحاً إلا إذا قلنا: الرئيس ومعه السلطتان الأخريان.
وبمناسبة انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2024م، المقرر عقدها يوم الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر المقبل، نشير إلى أن هذا اليوم سيشهد أيضاً انتخاب كامل أعضاء مجلس النواب (435 نائباً) وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (34 شيخاً)، بالإضافة إلى انتخاب الرئيس ونائبه (هذا إذا استبعدنا انتخابات الحكومات المحلية والولائية). وكالعادة، سيحظى انتخاب الرئيس بمعظم الأضواء والاهتمام. وسيتكرر هذا المشهد، ولن تولي غالبية الناس اهتماماً كبيراً بانتخابات النواب والشيوخ وغيرهم.
وكما هو معلوم، ستكون مرشحة الحزب الديمقراطي هي السيدة "كاميلا هاريس"، وهي ثاني امرأة أمريكية تصل إلى هذا المستوى الرفيع، بعد "هيلاري كلينتون". وقد تصبح أول امرأة تتولى منصب رئاسة أمريكا إذا فازت على منافسها الرئيسي "دونالد ترمب"، مرشح الحزب الجمهوري في هذه الانتخابات. إن نتيجة هذه الانتخابات الرئاسية الأولية تؤكد انفراد الحزبين السياسيين الأمريكيين الكبيرين بمقاليد السياسة الأمريكية، كما أن "طريقة" ترشيح كل من المرشحين تدعم "احتكار" قلة الصفوة في كلا الحزبين للسلطة والترشيح للمناصب الكبرى. وكل ذلك يشكل شرخاً لا يستهان به في الديمقراطية الأمريكية الحالية، غير أن هذا الشرخ لا يلغي ديمقراطية النظام الأمريكي طالما كان يعكس بالفعل تفضيلات الناخبين الأمريكيين. وسوف نعود إلى هذا الموضوع لاحقاً.
